القائمة الرئيسية

الصفحات



ليس كمثله شئ


ليس كمثله شئ

 

 ﴿ مذهب سلف الامة في صفات الله تعالى وطريقة الاستدلال عليها  

۞۞۞۞۞۞۞

 

 فالذي اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل؛ فإنه قد علم بالسمع مع العقل أن الله ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله؛ كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]، وقال تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65]، وقال تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22]، وقال تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4].

 

 وقد علم بالعقل أن المِثْلَين يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر، ويجب له ما يجب له، ويمتنع عليه ما يمتنع عليه؛ فلو كان المخلوق مِثْلًا3 للخالق للزم اشتراكهما فيما يجب ويجوز ويمتنع، والخالق يجب وجوده وقِدَمه، والمخلوق يستحيل وجوب وجوده وقِدَمه، بل يجب حدوثه وإمكانه، فلو كانا متماثلين للزم اشتراكهما في ذلك؛ فكان كل منهما يجب وجوده وقِدَمه؛ ويمتنع وجوب وجوده وقِدَمه، ويجب حدوثه وإمكانه؛ فيكون كل منهما واجب القِدَم؛ واجب الحدوث، واجب الوجود؛ ليس واجب الوجود، يمتنع4 قِدَمه، لا يمتنع قِدَمه، وهذا جمع بين النقيضين.

 

 فإذا عُرف5 هذا، فنقول6: إن الله سمى نفسه في القرآن بالرحمن الرحيم، ووصف نفسه في القرآن7 بالرحمة والمحبة؛ كما قال: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر: 7]، وقال: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156]، وقال: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه} [المائدة: 54]، وقال: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 4] و {يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195] 1 و {يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146] و {يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4] ونحو ذلك.

 

 ****************

 

دعوى تعارض أحاديث الصفات مع القرآن، واعتبارها من التشبيه والتجسيم .

مضمون الشبهة:

يتوهم بعض الناس وقوع تعارض بين السنة والقرآن فيما يتعلق بمسألة صفات الله تعالى، حيث جاءت السنة النبوية بذكر صفات للذات العلية، فيها تشبيه وتجسيم -على حد زعمهم- ينبغي أن ينزه عنهما الله تبارك وتعالى، بمقتضى قوله تعالى: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) (الشورى: 11).

واستدلوا على زعمهم ببعض الأحاديث التي يرون أنها تخالف العقل من ناحية إثبات هذه الصفات لله تعالى، لما تشتمل عليه من تجسيم وتشبيه ينبغي تنزيه الله تعالى عنهما.ويفضي هذا الفهم الخاطئ إلى رد نصوص صحيحة من السنة النبوية، وتعطيل ونفي الصفات الإلهية.

وجوه إبطال الشبهة:

1- علم من دين الله -عز وجل- بالضرورة أن الإيمان بما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من جملة الإيمان بالله -عز وجل- لكونه وحيا من الله -عز وجل- ونسبة السنة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما هي من جهة أنه المنشئ لألفاظها؛ لذلك فهي مصدر أصيل في التعرف على الغيبيات، ولا مدخل للعقل في إثبات شيء أو نفيه مما يتعلق بالغيب عامة، وبصفات الله -عز وجل- خاصة. فإذا كان هناك من صفات الله ما يستطيع العقل أن يستدل عليها بنفسه، كاتصاف الله بالعلم والقدرة والحكمة ونحو ذلك، فإنه يقف عاجزا ليس له من سبيل إلا النصوص ليتمكن من التعرف على صفات الله الذاتية والفعلية كصفة الوجه، واليد، والمجيء والنزول ونحو ذلك.

2- سلك أهل السنة والجماعة في باب الصفات طريقا واضحة، لا عوج فيها ولا أمتا، وعولوا على ما صح من النقل؛ فسلموا من الانحراف عن جادة الطريق، فآمنوا بكل ما وصف الله به نفسه في كتابه، ووصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم- من غير تحريف للنصوص، أو تعطيل للمراد، ولا طمع في معرفة كيفية لا تدركها العقول، ولا تمثيل له بأحد من المخلوقين، فأمروا نصوص الصفات كما جاءت عن الله على مراد الله، وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على مراده -صلى الله عليه وسلم- دون بحث في كيفيتها. فكان سبيلهم أسلم وأعلم وأحكم.

3- إن الأحاديث التي أوردها المشككون والواهمون إذا ما أسقطنا عليها قواعد الصفات عند أهل السنة فإننا لا نجد غضاضة ولا حرجا في قبولها على مراد الله -سبحانه وتعالى- وعلى مراد رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لكون ما تتضمنه من معنى هو في الأصل معلوم، وما أخبرت عنه من غيب فكيفيته مجهولة، في إطار قوله تعالى: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) (الشورى: 11). فالله -سبحانه وتعالى- متصف بصفات الكمال التي لا يشابهه فيها سمع المخلوقين، وبصرهم، وكلامهم، ونزولهم، واستواؤهم، وضحكهم، وغضبهم، وغيرتهم، ومجيئهم، وهذا الكلام لازم في العقليات والسمعيات، فما دام لله -سبحانه وتعالى- ذات حقيقية لا تماثل الذوات فإن الذات متصفة بصفات حقيقية لا تماثل سائر الصفات.فكل هذه الصفات

الواردة في الأحاديث الصحيحة الثابتة تساق مساقا واحدا، ويجب الإيمان بها على أنها صفات حقيقية، لا تشبه صفات المخلوقين، دون تعطيل أو تمثيل ولا رد، ولا جحد، ولا تأويل يخالف الظاهر.

الخلاصة:

-  الإنسان غير قادر على تحديد وظيفته، والتعرف على خالقه بعقله وحسه فقط، دون أن يكون له مصدر آخر يخبره بما وراء عالم الشهادة.-  

هناك فريق من الناس لم يعترفوا بإمكانات عقولهم المحدودة، وظنوا أن العقل قادر على إخضاع كل شيء لسلطانه، ما غاب عنه وما حضر، ولم يفرقوا في ذلك بين مطلب الشرع من العقل في عالم الشهادة، ومطلبه من العقل في عالم الغيب.-  لقد كانت -على الجانب الآخر- جموع غفيرة من أهل السنة تعرف أن العقل يملك البحث والتعرف على عالم الشهادة، لكنه يفقد جميع الأدوات التي يتعرف بها على عالم الغيب، إلا مصدرا واحدا هو الوحي الذي هو إخبار الله عن ذاته بذاته على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- فالعقل في عالم الغيب عندهم متعلم، يأخذ العلم من مصادره التي غاب عنها، أو غابت عنه.-  

من أجل ذلك كان منهج أهل السنة والجماعة أكثر المناهج احتراما للعقل، فخير له أن يأخذ الحديث عن الغيب -ولا سيما عن الله- مأخذ التصديق، كما جاء به الوحي بدلا من تخيل كيفيات عقلية لسنا مطالبين بها أولا، ولا سبيل إلى العلم بها بالحواس 

ثانيا: إذا كان كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- نزلا إلى الناس للفهم والتدبر فإننا لم نقرأ عن الصحابة أو التابعين أنهم توقفوا أمام آية أو حديث، وقالوا: إن العقل يعارضها، أو يرفضها، وينبغي تأويلها وصرفها عن ظاهرها.-  إن من الأصول المرعية أن النص إذا صح سندا ومتنا وفهما لا يتعارض أبدا مع الدلائل العقلية الصحيحة الصريحة البعيدة عن الغموض والخالية من الشكوك.-  علم من الدين بالضرورة أن الإقرار بما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- من جملة الإيمان بالله؛ فالسنة منسوبة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من جهة أنه المنشئ لألفاظها، وأما معانيها فهي من عند الله عز وجل.-  

السنة النبوية مصدر أصيل في التعرف على الغيبيات؛ لكونها وحيا من عند الله، ولا مدخل للعقل في إثبات شيء أو نفيه مما يتعلق بالغيبيات عامة، وبصفات الله -عز وجل- خاصة.-  

إن مدار العقل الإنساني في إدارك الصفات - وهي من جملة الغيب - على قسمين:

الأول: ما لا يستطيع إدراكه بنفسه من غير طريق النصوص كإثبات الوجه واليد ونحو ذلك لله تعالى.

الثاني: ما يمكن الاستدلال عليه بالعقل نفسه؛ كاتصاف الله تعالى بالقدرة والحكمة ونحو ذلك.-  معلوم أن العقيدة غيب توقيفي، لا مجال للعقل فيه إلا بالتسليم لما صح من النصوص؛ لذلك سلك أهل السنة طريقا واضحة لا عوج فيها ولا أمتا في باب صفات الله تعالى.-  

لقد كان اعتماد أهل السنة -في هذا الباب- على النقل الثابت الصحيح، فسلموا من الانحراف الذي وقع فيه من اتخذ العقل أساسا في هذا الباب وقدمه على النقل، في الوقت الذي أكد فيه أهل السنة والجماعة أن العقل الصحيح لا يخالف صحيح المنقول. -  إن أهل السنة والجماعة في باب الصفات وسط بين الإفراط والتفريط؛ فلم يفرطوا في الإثبات إلى درجة تصل بهم إلى التكييف أو التمثيل، كما لم يقعوا في التفريط الذي هو تعطيل أسماء الله وصفاته عن معانيها، بل أثبت أهل السنة جميع ما صح به النقل من الأسماء والصفات على الوجه اللائق به سبحانه وتعالى.-  

عقيدة أهل السنة والجماعة في صفات الله تعالى الإيمان بما وصف الله به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم- من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.-  فطريقة أهل السنة تعتمد على الكتاب والسنة الصحيحة فيثبتون لله ما أثبته لنفسه على مراده سبحانه، وما أثبته رسوله -صلى الله عليه وسلم- في سنته على مراده -صلى الله عليه وسلم- من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل، على حد قول الله تعالى: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) (الشورى: 11). إن النصوص كما جاءت بحملها على ظاهرها، دون التعرض لتعطيل شيء منها، أو تأويله بما لا يتفق مع مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم - قاعدة جليلة عند أهل السنة في الصفات.-  أهل السنة لا يمثلون صفات الله بصفات خلقه؛ فالله تعالى له صفات تليق به، ولا يلزم من الاتفاق في الأسماء الاتفاق في المسميات.-  كما أنهم يفوضون العلم بكيفية الصفات، ويقطعون الطمع في إدراكها؛ فالله أخبرنا أنه متصف بذلك. والعلم بكيفية الصفة فرع عن العلم بكيفية الموصوف، فإذا كنا لا نعلم كيفية ذات الله فكذلك لا نعلم كيفية صفاته.والشيء لا تعلم كيفيته إلا بمشاهدته أو مشاهدة نظيره، أو بالخبر الصادق عنه، لأجل ذلك فالعلم بالكيفية عند أهل السنة مجهول، وإن كانت الكيفية في الأصل ثابتة لله تعالى.

فكيف يطمع العقل المخلوق المحدود في معرفة كيفية من له الكمال كله، والجمال كله، والعلم كله، والقدرة كلها، والعظمة كلها، والكبرياء كله...؟-  لقد اتضح - من خلال الأحاديث الواردة بصفات الله - أن صفاته -سبحانه وتعالى- كلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه، كما أنها تنقسم إلى قسمين:

ثبوتية وسلبية، فالصفات الثبوتية هي ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم- والصفات السلبية هي ما نفاه الله عن نفسه في كتابه أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.-  الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين،

ذاتية: وهي التي لم يزل الله تعالى متصفا بها، ولا تنفك عنه -سبحانه وتعالى- كالعلم والقدرة، والسمع، والبصر ونحوها،

وصفات فعلية وتسمى اختيارية: وهي التي تتعلق بمشيئة الله -سبحانه وتعالى- إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها، كالنزول والمجيء ونحو ذلك.-  المضافات إلى الله -سبحانه وتعالى- إن كانت أعيانا فهي من جملة المخلوقات، وإن كانت أوصافا فهي من صفات الله، وصفات الله كلها توقيفية، فلا نثبت لله شيئا إلا بنص من القرآن أو السنة.-  طريقة السلف في تناول الصفات الإلهية هي الأسلم والأحكم، وليس هناك طريقة أخرى تجري على قواعد وأصول محكمة كطريقتهم.-  إن حديث الجارية -التي سألها النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الله بالأينية «أين الله» وقولها له صلى الله عليه وسلم: في السماء- قد صحت نسبته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بمجيئه في كتب الصحاح والسنن والمسانيد.-  من توهم كون الله في السماء -بمعنى أنها محيطة به وتحويه- فقد أساء فهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ السماء مراد بها العلو، فمن معاني السماء العلو المطلق، فكل ما علاك فهو سماء.-  حديث النزول الإلهي إلى السماء صحيح، وقد رواه أصحاب الكتب التسعة، ونزوله تعالى حقيقة على الوجه اللائق بجلاله وكماله، وتأويله على نزول رحمته أو بعض ملائكته تأويل فاسد لا يستند على دليل، وفيه تقول على الله بغير علم مع تحريف الكلم عن مواضعه.-  إن قال قائل: إن نزوله تعالى ينافي علوه؛ فهو قول مفترض في نزول تعلم كيفيته، وهو نزول المخلوقين، أما نزول الرب تبارك وتعالى فكيفيته مجهولة بالنسبة لنا، ولا يسأل كيف نزوله؛ لأن الخالق يصنع ما يشاء كما يشاء.-  إن الله تبارك وتعالى خلق آدم -عليه السلام- على صورته هو -سبحانه وتعالى- من غير كيفية معلومة لنا، ولا يلزم من ذلك المماثلة، والصورة في هذا الحديث بمعنى الصفة.-  خص الله -عز وجل- آدم -عليه السلام- بأن جعله مجمع الصفات، وفيه من صفات الله الشيء الكثير؛ أي من أصل الصفة على التقرير من أن وجود الصفة في المخلوق لا يماثل وجودها في الخالق، فالله -سبحانه وتعالى- له سمع وجعل لآدم صفة السمع، فكونه -سبحانه وتعالى- خلقه على صورته تقتضي الاشتراك في أصل الصفة لكن لا تقتضي المماثلة في الصفة، فالمعنى أن الله تعالى خلق آدم على صورته؛ أي صفته من الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والإرادة.-  لقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه روى عن ربه نسبة تقربه سبحانه من عبده لنفسه، وأن العبد إن أتاه يمشي أتاه الله هرولة. والمراد من حديث الهرولة بيان مجازاة الله تعالى للعبد على عمله، وأن من صدق في الإقبال على الله -وإن كان بطيئا- جازاه الله بأكمل وأفضل، وهذا المعنى هو ظاهر الحديث بالقرينة المفهومة من سياق الحديث. فلما كان مجيء العبد وتقربه لله يكون بالطاعة والعودة والإنابة، فليس ثمة مانع من كون تقرب الرب إليه وهرولته هي المجازاة ومضاعفة الثواب وسرعة القبول.-  إن ما أورده الإمام البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الله تعالى قال: ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن» -قد دلت القرائن على صحته سندا ومتنا. فليس هناك غبار على رجال وأسانيد الجامع الصحيح للبخاري لكونه لا يخرج للراوي إلا بعد استقامة عدالته وضبطه.-  أما ما جاء في الحديث من نسبة بعض الصفات لله كالتردد، فينبغي أن يعلم أنه ليس أحد أعلم بالله من رسوله -صلى الله عليه وسلم- ولا أفصح منه بيانا. وأن التردد في حق المخلوق إن كان معناه التوقف عن الجزم بأحد الطرفين فإن معنى الحديث لا يدل عليه؛ لأن الحديث صريح في الجزم بأحد الطرفين حيث قال: «وما ترددت عن شيء أنا فاعله؟» أي سأفعله ولابد؛ فقد قضى على عباده جميعا بالموت.-  إن تردده سبحانه مفسر في الحديث، فالله يكره مساءة عبده، وعبده يكره الموت، فالفعل مراد لله من وجه، فهو يريد الموت لعبده؛ لأنه قضى عليه به، ولابد له منه، ومع ذلك فإنه يكره ما يكره عبده المؤمن؛ ولذلك قال: "وأنا أكره مساءته".”

-  إن من احتج بحديث الهرولة على الحلول والاتحاد من قوله تعالى: «كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به...» حجته واهية، والحديث حجة عليه؛ لأن معناه أن الله يسدد وليه في سمعه وبصره ويده ورجله، وتكون هذه الأعضاء مشغولة بالله، طاعة وامتثالا.-  إن قول الله تعالى فيما صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من حديث مسلم: «مرضت فلم تعدني...» -ليس في معناه إثبات المرض والاستطعام والاستسقاء له سبحانه وتعالى.فالحديث خطاب مفسر مبين أن الرب -عز وجل- ليس هو العبد، ولا صفته صفته، ولا فعله فعله، وأكثر ما فيه استعمال لفظ الجوع والمرض مقيدا، مبينا للمراد، فقد علم المخاطب أن الرب لا يجوع ولا يمرض، فلم يكن فيه تلبيس، لا من جهة السمع، ولا من جهة العقل.-  إن ما صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من حديث الشيخين «أن الله لا يمل حتى تملوا» ليس فيه إشكال من ناحية العقل بعد صحة النقل؛ فالمعنى أن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل، وصفة الملل ونحوها كالخداع والمكر من الصفات المقيدة في النصوص، ومجيء هذه الصفات إنما يكون لإفادة الكمال والمدح، فالكريم عند العرب يمل من الذي يمل منه، فهي صفة أنفة ممدوحة. وهذه الصفات لا يوصف الله بها على الإطلاق.-  إن الأحاديث الصحيحة الواردة في النهي عن سب الدهر ونسبة الله تعالى الدهر إلى نفسه -جاءت لتعالج ما كان عليه العرب إذا كان من شأنهم أن يذموا الدهر ويسبوه عند المصائب والبلايا التي تنزل بهم، فنهوا عن ذلك لأن ذلك من تقدير الله عز وجل.-  

إن الله -عز وجل- مدبر الدهر ومصرفه ومقلبه، وليس الدهر اسما من أسماء الله تعالى، ومخرج الحديث للرد على أهل الجاهلية في نسبة ما يصيبهم إلى الدهر.-  لقد استشكل بعض الناس الأحاديث الدالة على وصف الله بالصبر؛ لكون الصبر ناتجا عن ضعف وعدم قدرة ونقص في الإدراك، لكن الذي وصف الله بالصبر هو نبيه المبلغ عنه، والذي لا نشك في صدقه وأمانته وفصاحته، وصبر الله على خلقه لا يستوجب أن يكون كصبر المخلوق، ومعناه في حق الله قريب من حكمه عز وجل.-  إن حديثي «الرحم شجنة من الرحمن»

«وأخذ الرحم بحقو الرحمن» جاءا في الصحيحين وكتب السنن، فهما في أعلى درجات الصحة.

ومعنى الرحم شجنة؛ يعني قرابة مشتبكة كاشتباك العروق وكونها من الرحمن؛ أي لها تعلق وتقرب من الرحمن؛ أما توهم كونها جزءا من ذات الله، أو بعضا منه - فهو توهم باطل؛ لأن الرحم مخلوقة، فكيف يتوهم أنها جزء من ذات الله؟!-  أما حديث «قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن» فهو على مذهب السلف كما جاء، نثبت لله الصفة من غير تأويل أو تمثيل، سبحانه ليس كمثله شيء، هذا مذهب أهل السنة والأثر، ودليلهم جلي واضح.

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات